فصل: المطلب الثاني: أهمية الإخلاص:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.المبحث الأول: نور الإخلاص:

.المطلب الأول: مفهوم الإخلاص:

الإخلاص في اللغة: خلص يخلص خلوصا: صفا وزال عنه شوبه، ويقال خلص من ورطته: سلم منها ونجا، ويقال: خلصه تخليصا: أي نجاه. والإخلاص في الطاعة ترك الرياء.
وحقيقة الإخلاص: هو أن يريد العبد بعمله التقرب إلى الله تعالى وحده.
وقد ذكر أهل العلم تعريفات بعضها قريب من بعض:
فقيل: الإخلاص: إفراد الحق- سبحانه- بالقصد في الطاعة.
وقيل: الإخلاص: استواء أعمال العبد في الظاهر والباطن، والرياء أن يكون ظاهره خيرا من باطنه، والصدق في الإخلاص أن يكون باطنه أعمر من ظاهره.
وقيل: تصفية العمل من كل ما يشوبه.
وعلى ما تقدم: يتضح أن الإخلاص: صرف العمل والتقرب به إلى الله وحده، لا رياء ولا سمعة، ولا طلبا للعرض الزائل، ولا تصنعا، وإنما يرجو ثواب الله ويخشى عقابه ويطمع في رضاه.
ولهذا قال القاضي عياض: ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما.
والإخلاص: في حياة المسلم أن يقصد بعمله، وقوله، وسائر تصرفاته، وتوجيهاته وتعليمه وجه الله تعالى وحده لا شريك له ولا رب سواه.

.المطلب الثاني: أهمية الإخلاص:

لقد خلق الله الخلق: الجن والإنس لعبادته وحده لا شريك له، وأمر جميع المكلفين بالإخلاص: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين} [البينة: 5]، وقال تعالى: {إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص} [الزمر: 2، 3]، {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} [الأنعام: 162، 163].
{الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا} [الملك: 2].
قال الفضيل بن عياض: هو أخلصه وأصوبه. قالوا: يا أبا علي: ما أخلصه وأصوبه؟ فقال: إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل، حتى يكون خالصا صوابا. والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة، ثم قرأ قوله تعالى: {فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا} [الكهف: 110]، وقال تعالى: {ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه لله وهو محسن} [النساء: 125]. فإسلام الوجه: إخلاص القصد والعمل لله، والإحسان فيه: متابعة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته.
وقد ثبت في الحديث عن أنس بن مالك رضي الله عنه قوله صلى الله عليه وسلم: «ثلاث لا يغل عليهن قلب مسلم: إخلاص العمل لله، ومناصحة ولاة الأمر، ولزوم جماعة المسلمين فإن دعوتهم تحيط من ورائهم».
والإخلاص هو روح عمل المسلم، وأهم صفاته، فبدونه يكون جهده وعمله هباء منثورا.
والإخلاص من أهم أعمال القلوب باتفاق أئمة الإسلام، ولاشك أن أعمال القلوب هي الأصل: لمحبة الله ورسوله، والتوكل عليه، والإخلاص له، والخوف منه، والرجاء له، وأعمال الجوارح تبع؛ فإن النية بمنزلة الروح والعمل بمنزلة الجسد للأعضاء الذي إذا فارق الروح مات، فمعرفة أحكام القلوب أهم من معرفة أحكام الجوارح.
فيجب على المسلم أن يكون مخلصا لله- عز وجل- لا يريد رياء ولا سمعة، ولا ثناء الناس ولا مدحهم وحمدهم، إنما يعمل الصالحات ويدعو إلى الله يريد وجهه تعالى كما قال سبحانه: {قل هذه سبيلي أدعوا إلى الله} [يوسف: 108]، وقال سبحانه: {ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله} [فصلت: 33].
والإخلاص أعظم الصفات التي تجب على جميع المسلمين فيريدوا بدعوتهم وعملهم وجه الله والدار الآخرة، ويريدوا إصلاح الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور.

.المطلب الثالث: مكانة النية الصالحة وثمراتها:

النية: أساس العمل وقاعدته، ورأس الأمر وعموده، وأصله الذي عليه بني؛ لأنها روح العمل، وقائده، وسائقه، والعمل تابع لها يصح بصحتها ويفسد بفسادها، وبها يحصل التوفيق، وبعدمها يحصل الخذلان، وبحسبها تتفاوت الدرجات في الدنيا والآخرة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى».
وقال الله تعالى: {لا خير في كثير من نجواهم إلا من أمر بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس ومن يفعل ذلك ابتغاء مرضات الله فسوف نؤتيه أجرا عظيما} [النساء: 114].
وهذا يدل على أهمية ومكانة النية، وأن الدعاة إلى الله وغيرهم من المسلمين بحاجة إلى إصلاح النية، فإذا صلحت أعطي العبد الأجر الكبير والثواب العظيم، ولو لم يعمل إنما نوى نية صادقة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا» وقال صلى الله عليه وسلم: «ما من امرئ تكون له صلاة بليل فيغلبه عليها نوم إلا كتب له أجر صلاته وكان نومه عليه صدقة».
وقال صلى الله عليه وسلم: «من توضأ فأحسن الوضوء ثم خرج إلى المسجد فوجد الناس قد صلوا أعطاه الله مثل أجر من صلى وحضر لا ينقص ذلك من أجره شيئا».
وقال صلى الله عليه وسلم: «من سأل الله الشهادة بصدق بلغه الله منازل الشهداء وإن مات على فراشه».
وهذا يدل على فضل الله سبحانه وتعالى وإحسانه إلى عباده؛ ولهذا قال صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك: «لقد تركتم بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا أنفقتم من نفقة، ولا قطعتم من واد إلا وهم معكم فيه»، قالوا: يا رسول الله كيف يكونون معنا وهم بالمدينة؟ فقال: «حبسهم العذر».
وبالنية الصالحة يضاعف الله الأعمال اليسيرة، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم لرجل جاء إليه مقنع بالحديد، فقال يا رسول الله: أقاتل أو أسلم؟ فقال صلى الله عليه وسلم: «أسلم ثم قاتل» فأسلم ثم قاتل فقتل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عمل قليلا وأجر كثيرا».
وجاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل في الإسلام، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمه الإسلام وهو في مسيره فدخل خف بعيره في جحر يربوع فوقصه بعيره فمات، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عمل قليلا وأجر كثيرا» قالها حماد ثلاثا.
وبالنية الصالحة يبارك الله في الأعمال المباحة فيثاب عليها العبد، ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: «إذا أنفق الرجل على أهله يحتسبها فهو له صدقة» وقال صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه: «إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت عليها حتى ما تجعل في في امرأتك».
وقال صلى الله عليه وسلم: «إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقا فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علما ولم يرزقه مالا فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء، وعبد رزقه الله مالا ولم يرزقه علما فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقا فهو بأخبث المنازل، وعبد لم يرزقه الله مالا ولا علما، فهو يقول: لو أن لي مالا لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته، فوزرهما سواء».
وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه: «إن الله عز وجل كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة».

.المطلب الرابع: ثمار الإخلاص وفوائده:

الإخلاص له ثمرات حميدة وفوائد جليلة عظيمة، منها ما يلي:
1- خير الدنيا والآخرة من فضائل الإخلاص وثمراته.
2- الإخلاص هو السبب الأعظم في قبول الأعمال مع متابعة النبي صلى الله عليه وسلم.
3- الإخلاص يثمر محبة الله للعبد، ثم محبة الملائكة، ووضع القبول في الأرض.
4- الإخلاص أساس العمل، وروحه.
5- يثمر الأجر الكبير والثواب العظيم بالعمل اليسير، والدعاء القليل.
6- يكتب لصاحب الإخلاص كل عمل يقصد به وجه الله ولو كان مباحا.
7- يكتب لصاحب الإخلاص ما نوى من العمل ولو لم يعمله.
8- إذا نام أو نسي كتب له عمله الذي كان يعمله.
9- إذا مرض العبد أو سافر كتب له بإخلاصه ما كان يعمل صحيحا مقيما.
10- ينصر الله الأمة بالإخلاص.
11- الإخلاص يثمر النجاة من عذاب الآخرة.
12- تفريج كروب الدنيا والآخرة من ثمرات الإخلاص.
13- رفع المنزلة في الآخرة يحصل بالإخلاص.
14- الإنقاذ من الضلال.
15- الإخلاص سبب لزيادة الهدى.
16- الصيت الطيب عند الناس من ثمار الإخلاص.
17- طمأنينة القلب والشعور بالسعادة.
18- تزيين الإيمان في النفس.
19- التوفيق لمصاحبة أهل الإخلاص.
20- حسن الخاتمة.
21- استجابة الدعاء.
22- النعيم في القبر والتبشير بالسرور.
23- دخول الجنة والنجاة من النار.
وهذه الثمرات والفوائد أدلتها كثيرة من الكتاب والسنة(21).
فأسأل الله لي ولإخواني المسلمين الإخلاص في القول والعمل.

.المبحث الثاني: ظلمات إرادة الدنيا بعمل الآخرة:

.المطلب الأول: خطر إرادة الدنيا بعمل الآخرة:

من الخطر العظيم أن يعمل الإنسان عملا صالحا يريد به عرضا من الدنيا، وهذا شرك ينافي كمال التوحيد الواجب ويحبط العمل، وهو أعظم من الرياء؛ لأن مريد الدنيا قد تغلب إرادته على كثير من عمله، وأما الرياء فقد يعرض له في عمل دون عمل ولا يسترسل معه، والمؤمن يكون حذرا من هذا وهذا.
والفرق بين الرياء، وإرادة الإنسان بعمله الدنيا: هو أن بينهما عموم وخصوص مطلق يجتمعان في أن الإنسان إذا أراد بعمله التزين عند الناس، ليروه ويعظموه ويمدحوه، فهذا رياء، وهو أيضا إرادة للدنيا؛ لأنه تصنع عند الناس وطلب الإكرام منهم والمدح والثناء.
أما العمل للدنيا فهو أن يعمل الإنسان عملا صالحا لا يقصد به الرياء للناس، وإنما يقصد به عرضا من الدنيا: كمن يحج عن غيره ليأخذ مالا، أو يجاهد للمغنم، أو غير ذلك، فالمرائي عمل لأجل المدح والثناء من الناس، والعامل للدنيا يعمل العمل الصالح يريد به عرض الدنيا وكلاهما خاسر نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه (22).
وقد جاءت النصوص تدل على خسران صاحب هذا العمل في الدنيا والآخرة، قال الله تعالى: {من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون} [هود: 16]، وقال عز وجل: {من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها مذموما مدحورا} [الإسراء: 17]، وقال تعالى: {من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب} [الشورى: 20]، وقال سبحانه وتعالى: {فمن الناس من يقول ربنا آتنا في الدنيا وما له في الآخرة من خلاق} [البقرة: 200].
وقال صلى الله عليه وسلم: «من تعلم علما مما يبتغى به وجه الله عز وجل لا يتعلمه إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة» يعني ريحها.
وعن جابر رضي الله عنه يرفعه: «لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء، ولا لتماروا به السفهاء، ولا لتخيروا به المجالس فمن فعل ذلك فالنار النار».
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: «لا تعلموا العلم لثلاث: لتماروا به السفهاء، وتجادلوا به العلماء، ولتصرفوا به وجوه الناس إليكم، وابتغوا بقولكم ما عند الله؛ فإنه يدوم ويبقى وينفذ ما سواه».
ولهذا تكفل الله بالسعادة لمن عمل لله، فعن أنس يرفعه: «من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له».

.المطلب الثاني: أنواع العمل للدنيا:

العمل للدنيا أنواع متعددة، وقد ذكر الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى أنه جاء عن السلف في ذلك أربعة أنواع:
النوع الأول: العمل الصالح الذي يفعله كثير من الناس ابتغاء وجه الله تعالى: من صدقة، وصلاة، وإحسان إلى الناس، ورد ظلم، ونحو ذلك مما يفعله الإنسان أو يتركه خالصا لله تعالى؛ لكنه لا يريد ثوابه في الآخرة، وإنما يريد أن يجازيه الله بحفظ ماله، وتنميته، أو حفظه أهله وعياله، أو إدامة النعم عليه وعليهم، ولا همة له في طلب الجنة والهرب من النار، فهذا يعطى ثواب عمله في الدنيا وليس له في الآخرة من نصيب. وهذا مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
النوع الثاني: وهو أكبر من الأول وأخوف، وهو أن يعمل أعمالا صالحة ونيته رياء الناس لا طلب ثواب الآخرة. وهو ما ذكر عن مجاهد رحمه الله تعالى.
النوع الثالث: أن يعمل أعمالا صالحة يقصد بها مالا، مثل أن يحج عن غيره لمال يأخذه، ولا يقصد بذلك وجه الله ولا الدار الآخرة، أو يهاجر لدنيا يصيبها، أو يجاهد لأجل المغنم، أو يتعلم العلم ليحصل على الشهادة وعلى الجاه، ولا يقصد بذلك وجه الله مطلقا، أو يتعلم القرآن ويواظب على الصلاة؛ لأجل وظيفة المسجد أو غيره من الوظائف الدينية، ولا يريد بذلك ثوابا مطلقا.
النوع الرابع: أن يعمل بطاعة الله مخلصا في ذلك لله وحده لا شريك له، لكنه على عمل يكفره كفرا يخرجه عن الإسلام، كمن يأتي بناقض من نواقض الإسلام. ذكر ذلك عن أنس رضي الله عنه وغيره(27).
فليحذر المسلم مما يحبط عمله ويعرضه لسخط الله وغضبه، وليحذر جميع المسلمين من هذه الأنواع الفاسدة نعوذ بالله منها.